القائمة الرئيسية

الصفحات

هذه دوافع الخلاف بين قادة الجيش و"الحرس الثوري" في إيران‎

هذه دوافع الخلاف بين قادة الجيش و"الحرس الثوري" في إيران‎
تطرقت ورقة بحثية منشورة بالموقع الإلكتروني لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى العلاقة بين الجيش والحرس الثوري في إيران، لافتة إلى أن الغموض سمة رئيسية في العلاقة بينهما، حيث أكدت أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت قادة النظام الإيراني، في بداية الثمانينات، إلى تأسيس الحرس الثوري يكمن في عدم الثقة في ولاء الجيش للثورة التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979.
ورغم المعطى المذكور، فقد كان هناك حرص دائم على تأكيد التوافق والوحدة والتنسيق بين الطرفين في مواجهة ما تم الترويج له من أنه "مؤامرات" تحاك ضد إيران وتهدف إلى تقويض دعائم النظام الحاكم، وفقا للمقالة، التي أبرزت أن تصريحات المساعد المنسق لقائد الجيش الأدميرال حبيب الله سياري، التي أدلى بها خلال حوار مع وكالة أنباء "إرنا"، نشرت مقتطفات منه قبل أن تحذفها في 31 مايو الفائت، كشفت عن وجود خلافات بين الطرفين بدأت تظهر إلى العلن.
وأكدت الورقة البحثية، المعنونة بـ "هل ظهر الخلاف بين الجيش والحرس الثوري إلى العلن؟"، أن الخلافات الراهنة بين الطرفين لا يمكن فصلها عن التطورات السياسية والميدانية التي جرت في الشهور الأخيرة، بداية من مقتل قائد فيلق القد، قاسم سليماني، وإجراء الانتخابات البرلمانية.
وتابعت المقالة قائلة: "وجّه المساعد المنسق لقائد الجيش الإيراني الأدميرال حبيب الله سياري، خلال حوار له بثت وكالة أنباء "إرنا" مقتطفات منه قبل أن تحذفها في 31 مايو الفائت بعد أن أثارت جدلاً واسعاً داخل إيران، انتقادات قوية وهجمات غير مسبوقة ضد أطراف عديدة على الساحة الداخلية الإيرانية، وفي مقدمتها الحرس الثوري. ورغم أنه لم يشر صراحة إلى "الباسدران"، فإن تصريحاته كانت توحي بأن ثمة حالة من الاحتقان داخل الجيش تجاه تصاعد نفوذ الأخير وتدخله في الشؤون السياسية والاقتصادية واتساع نطاق الدعاية الإعلامية لأنشطته ومهامه".
وزادت الوثيقة موضحة بالقول: "فقد قال سياري في هذا الصدد: نحن (الجيش) لا نتدخل في السياسة.. التسييس مضر للقوات المسلحة"، مضيفاً: "ليس من مصلحة القوات المسلحة التدخل في الاقتصاد، لأنها تبتعد عن أصل قضيتها"، موكداً أيضاً أن "قوات الجيش تتجنب العمل الموازي"، وهى إشارة واضحة إلى الأدوار "غير العسكرية" التي يقوم بها الحرس على الساحتين الداخلية والخارجية".
ورغم حرص الجيش والحرس الثوري على إصدار بيانين يؤكدان فيهما أن هناك "تكاملاً" في المهام، إلا أن ذلك لم يقلص من حدة الجدل الذي تصاعد على الساحة الداخلية، لا سيما في ظل الأدوار التي يقوم بها الأخير، والتي دعمت نفوذه داخل دوائر صنع القرار في طهران في مختلف الملفات، تبعا للمصدر ذاته.
وفسر المركز ظهور الخلاف بين الجيش والحرس الثوري في ضوء اعتبارات عديدة أجملها في:
أولا، غياب سليماني: ربما يمكن القول إن ظهور هذا الخلاف يمثل إحدى تبعات مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، في 3 يناير الماضي، عقب العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وأدت أيضاً إلى مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس.
وأوردت المقالة أن سليماني كان يحتل موقعاً متميزاً داخل القيادة العسكرية الإيرانية، ربما لم يضاهه فيها أي مسؤول عسكري آخر، باعتبار أنه لم يكن مسؤولا فقط عن إدارة العمليات الخارجية لإيران، وإنما أيضاً مشاركاً بارزاً في عملية صنع القرار في العديد من الملفات الأخرى، مثل البرنامجين النووي والصاروخي، وحتى الملفات الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وهنا، فإن غياب سليماني عن المشهد أنتج فراغاً داخل القيادة العسكرية لا يبدو أن النظام نجح في ملئه بعد إسراعه في تعيين إسماعيل قاآني خلفاً له في قيادة "فيلق القدس"، بتعبير المركز، فالمؤشرات توحي بأن السلطات الواسعة التي كان يمتلكها سليماني بحكم نفوذه لم تمنح بعده لمسؤول واحد، وإنما تم توزيعها على أكثر من مسؤول ومؤسسة، بدليل أن إدارة الدور الإيراني في العراق، على سبيل المثال، لم تعد حكراً على "فيلق القدس"، ممثلاً في قاآني، وإنما امتدت أيضاً إلى المجلس الأعلى للأمن القومي ممثلاً في علي شمخاني.
ثانيا، تسييس "الباسدران": لا يبدو أن خروج هذه الخلافات إلى العلن ينفصل عن المساعي التي يبذلها الحرس من أجل تعزيز نفوذه على الساحة السياسية، وقد بدا ذلك جلياً، على سبيل المثال، في حصول أكثر من 30 عضواً سابقاً في "الباسدران" على مقاعد في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في الانتخابات التي أجريت في فبراير الماضي، منهم محمد باقر قاليباف الذي وصل إلى منصب رئيس المجلس في دورته الحالية.
وقد تكون لذلك تفسيرات عديدة لم تتوافق مع حسابات الجيش، منها أن الحرس يسعى إلى استغلال الإخفاق الواضح للاتفاق النووي، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه في ماي 2018 وإعادة فرضها عقوبات على إيران في أغسطس ونوفمبر من العام نفسه، من أجل توسيع نطاق دوره في الداخل وتكريس السيطرة على معظم مؤسسات صنع القرار، وربما يصل الأمر إلى ترشيح أحد كوادره في الانتخابات الرئاسية القادمة التي سوف تجرى في منتصف عام 2021. ومنها أيضاً أن "الباسدران" يحاول تعويض خسارته العسكرية التي أنتجها مقتل سليماني بتعزيز نفوذه السياسي في الداخل، وفق ما جاء في المقالة.
ثالثا، إدارة الصراعات: قد لا يكون الأمر بعيداً عن محاولة من جانب القيادة العليا في النظام، ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئي، لإعادة ضبط حدود التوازن بين فرعي المؤسسة العسكرية في مرحلة ما بعد مقتل سليماني. وهنا، فإنه كان لافتاً من البداية أن الوكالة حرصت على إجراء هذا الحوار ونشر مقتطفات منه، وهى قريبة من مؤسسات النظام، بما يعني أن نشر هذه المقتطفات قد يكون متعمداً.
وزادت المقالة قائلة: "رغم أنها حذفت فيما بعد، فإن رسالتها وصلت ومفادها أن "الباسدران" ليس بعيداً عن النقد، وأن النفوذ الذي يحظى به على المستويات المختلفة لم يتحقق إلا بضوء أخضر من جانب المرشد في المقام الأول، وأن ما كان قائماً في فترة وجود سليماني على رأس قيادة "فيلق القدس" لم يعد كما هو في مرحلة ما بعد غيابه".
من هنا، تخلص الورقة إلى أنه "قد لا تكون تصريحات سياري هي الأخيرة من نوعها، وربما تمثل بداية مرحلة جديدة تعاد فيها صياغة التوازنات بين المؤسسات المختلفة للنظام، استعداداً لاستحقاقات مهمة قد تفرض نفسها على الساحة في المرحلة القادمة، ولا سيما اختيار من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية في منصبه".
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات