القائمة الرئيسية

الصفحات

‪خطر صعود "اليمين المسيحي" يهدد بتفكيك بنيات الاستقرار بأمريكا‬

‪خطر صعود "اليمين المسيحي" يهدد بتفكيك بنيات الاستقرار بأمريكا‬
‪خطر صعود "اليمين المسيحي" يهدد بتفكيك بنيات الاستقرار بأمريكا‬
في ظل تزايد شعبية اليمين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية، يقفز سؤال إمكانية "تحول" هذا المد الجارف للقومية المسيحية إلى حركة سياسية منظمة في بلاد "العام سام"، يكون هدفها الأساس "الوصول إلى السُلطة، وفرض رؤيتها على المجتمع الأمريكي بأكمله".
انطلاقا من هذا الإشكال، تؤكد الصحفية الأمريكية "كاثرين ستيوارت" في كتابها الجديد المعنون: "عبدة القوة: من داخل الصعود الخطير للقومية الدينية"، نشرت بعض تفاصيله ضمن عرض قدمه الباحث في العلوم السياسية باسم راشد، لصالح مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، أن الحركة "لا تسعى إلى إضافة صوت آخر إلى الديمقراطية التعددية الأمريكية، بل إلى استبدال مبادئنا ومؤسساتنا الديمقراطية الأساسية بدولة ترتكز على نسخة معينة من المسيحية".
هل تصير القومية المسيحية بديلا لليبرالية في الولايات المتحدة؟ تجيب "ستيوارت" ضمن الورقة البحثية المنشورة في مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة بأن "القومية المسيحية ترفض النظام الليبرالي، بل إنها تطرح نفسها بديلًا له، وتدعم كل من يؤيد أفكارها أو يسير في الاتجاه الذي تريده، حتى إن بعض الكنائس والجماعات المسيحية تدعو المواطنين للتصويت وفقًا للقيم الإنجيلية بهدف التأثير على الناخبين".
وتفرِّق "ستيوارت" بين القادة والأتباع لفهم منطق هذه الحركة؛ فجنود الحركة، أي الملايين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح السياسيين المفضلين للحركة، الذين يحضرون مسيراتها ويغمرون خزائنها بالتبرعات الصغيرة، هم المصدر الأساسي للقوة السياسية للحركة، لكنهم ليسوا مصدر أفكارها؛ وقد يعتقدون أنهم يقاتلون من أجل أمور مثل الزواج التقليدي وحظر الإجهاض.
وتبرز الورقة البحثية أن "طرق استغلال القادة للأتباع متنوعة وفقًا لاحتياجاتهم؛ فالبعض يذهب إلى الكنائس بحثًا عن اليقين والثقة في عالم يزداد فيه التفاوت الاقتصادي وعدم الاستقرار والفوضى، فيستغل قادة الحركة هذا الشغف بمنحهم الثقة والهُوية والشعور بأن وضعهم في العالم آمن، وفي المقابل يحصلون على استسلام المرء لإرادتهم السياسية".
وتؤكد "ستيوارت" خلال كتابها أن "هذه الحركة القومية المسيحية منتشرة بشكل كبير في مختلف أرجاء الولايات المتحدة وخارجها أيضًا؛ ففي بعض التجمعات في شمال كاليفورنيا يتعاون رجال الأعمال في قطاع الزراعة مع القساوسة الذين لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى "ترامب" في البيت الأبيض لتحقيق مصالحهم وغاياتهم".
وفي ولاية كارولينا الشمالية، يُجنِّد القادة القوميون المسيحيون رجال الدين لنشاطهم الحزبي. وفي أريزونا، يقوم مشغلو المدارس المستأجرة الذين لديهم أجندات طائفية بتلقين أطفال المدارس على رغبات الممول. وفي فيرونا في إيطاليا، يجتمع الممثلون الأمريكيون حول ما يسمونها "الحركة المحافظة العالمية" مع قادة اليمين المتطرف الدوليين لإعلان الحرب على الليبرالية العالمية.
من ناحية أخرى، كشفت "ستيوارت" وفقا لما نقلته الورقة البحثية المنشورة في مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة عن شبكة كثيفة ومترابطة من مراكز الفكر، وجماعات المناصرة، ومنظمات الرعاية المتضمنة في مجتمع سريع التوسع من التحالفات الدولية، وتوحد ليس بواسطة أي قيادة مركزية، ولكن من خلال رؤية مشتركة مناهضة للديمقراطية وإرادة مشتركة للسلطة.
ويوثق الكتاب أيضًا كيف تم تمويل هذه الحركة من قبل الجهات المانحة الغنية والمؤسسات الأسرية، من أمثال "روبرت ميرسر" و"بيتسي ديفوس"، اللذين موَّلا في ما بعد "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية.
وكشف الكتاب عن شخصيات أخرى كانت سرية للغاية؛ مثل "رالف درولينجر"، الذي يمتلك نفوذًا في قيادة دراسة أسبوعية للكتاب المقدس في البيت الأبيض يحضرها وزراء مجلس الوزراء ونائب الرئيس "مايك بنس" ومسؤولون آخرون.
وبخصوص تمويلات الحركة، تشير الورقة البحثية نقلا عن "ستيوارت" إلى أن لدى الحركة مصادر تمويل متعددة، بما في ذلك الجهات المانحة؛ بمن فيها المانحون الصغار، فضلًا عن أنواع مختلفة من الدعم والتمويل العام، وكذلك المانحين الأثرياء.
وتعتقد "ستيوارت" أن القوميين المسيحيين خانوا ما قد يكون أقوى دعوى لهم؛ فالمسيحية، كما يفهمها معظم الناس، لها علاقة بحب جيراننا. لكن "قادة هذه الحركة قد ألقوا الكثير في أيديهم مع حفنة من الرجعيين الاقتصاديين الأنانيين الذين يقولون لنا إننا لا ندين لأحد بأي شيء".
بالإضافة إلى ذلك، تورد الدراسة، فإن هذه المذاهب، بطبيعة الحال، تحافظ على ثروات الأغنياء، لذا غالبًا ما تسير القومية الدينية جنبًا إلى جنب مع الاستبداد، الذي يستغل في جميع أنحاء العالم في كثير من الأحيان القومية الدينية لقمع المعارضة وإبقاء الأعضاء الضعفاء في مجتمعاتهم في وضع تابع.
ووفقًا لستيورات، حققت القومية المسيحية على مدار الأعوام نجاحات مذهلة، وامتد تأثيرها الآن إلى كل جانب من جوانب الحياة الأمريكية، من البيت الأبيض إلى العاصمة، من المدارس إلى المستشفيات وغيرها. بيد أن استمرار تمدد هذه الحركة القومية من شأنه أن يُهدد الديمقراطية والمبادئ الليبرالية الأساسية التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
من ناحية أخرى، توضح "ستيورات" في الفصول النهائية للكتاب بشكل مؤكد المخاطر الشخصية والعالمية لوضع السياسات القومية المسيحية موضع التنفيذ، مفصلة بعض التجارب المؤلمة والقاتلة في بعض الأحيان للنساء اللواتي حُرمن من الرعاية الصحية الإنجابية بسبب التوجيهات الأخلاقية والدينية التي تحكم مقدمي الرعاية الصحية الكاثوليك، وأمثلة غيرها على هذا النحو.
وفِي الختام، دعت "ستيوارت" الأمريكيين إلى الدفاع ضد هذا المفهوم المشوه للحرية الدينية الذي قدمه القوميون المسيحيون، مؤكدة أنهم إذا أرادوا ذلك فإنهم لا يحتاجون إلى التوصل إلى مبدأ جديد لمواجهة ادعاءاتهم، بل إلى استعادة الحرية الدينية الحقيقية التي أسسها مؤسسو الولايات المتحدة، والتي يعتز بها معظم المواطنين.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات